بسم الله
الرحمن الرحيم
تثبيت الله لمن لا يتبع هواه لفضيلة
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الكلام
باللون الأحمر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
و اللون الأسود شرح
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
" ...ثم إن المؤدي للأمانة مع
مخالفة هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده ، والمطيعُ (
رُفِعَ للبعد ، وإلا فهو معطوف على المؤدي ) لهواه
يعاقبه الله بنقيض قصده ؛ فيذل أهله ويذهب ماله ، وفي ذلك الحكاية المشهورة
: أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك فقال :
أدركت عمر بن عبد العزيز فقيل له : يا أمير المؤمنين أقفرت ( في
نسخة : أفقرت ، وفي الحاشية أقفرت أفواه بنيك يقصد : أخليت أيديهم من المال
وأفواههم من الملذات والمطاعم ، وفي نسخة : أفرغت ! ) أفواه
بنيك من هذا المال ، وتركتهم فقراء لا شيء لهم ! وكان في مرض موته ، فقال :
أدخلوهم علي ! فأدخلوهم [ وهم ] بضعة عشر ذكرا ليس فيهم بالغ ، فلما رآهم
ذرفت عيناه ، ثم قال : يا بَنيّ والله ما منعتكم حقا هو لكم ، ولم أكن
بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم ، وإنما أنتم أحد رجلين : إما صالح
فالله يتولى الصالحين ، وإما غير صالح فلا أترك ( وفي نسخة : أخلّف
) له ما يستعين به على معصية الله ! قوموا عني .
قال : فلقد رأيت بعض ولده حمل على مائة فرس في سبيل الله يعني أعطاها لمن
يغزو عليها .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
هذه
قصة عجيبة : عمر بن عبد العزيز خليفة واحد على الأمة الإسلامية من أقصاها
إلى أدناها ، وأولاده سبعة عشر ذكرا على قول أو بضعة عشر كلهم لم يبلغوا ،
صغار ، يُدخَلون عليه في مرض موته ويبكي رقة له ومع ذلك يمتنع أن يوصي لهم
بشيء ، أو يعطيهم شيئا من أموال المسلمين ، ويقول لهم : أنا لم أظلمكم ،
حقكم الذي تستحقونه كما يستحقه غيركم من المسلمين أعطيتكموه .
ثم ذكر قال : ( إنكم أحد رجلين : إما رجل صالح فالله يتولاه ) ، كما قال
الله تعالى : (( إن ولييَ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين )) [
الأعراف : 196 ] . وولاية الله لهم خير من ولاية أبيهم لهم .
( وإما
رجل غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله ) وهذا من فقهه ،
هؤلاء الأولاد هل بقوا فقراء ؟ أبدا قال : ( رأيت بعض ولده حمل على مائة
فرس في سبيل الله ) أغناه الله وأعطى من ماله مئة فرس يجاهد عليها في سبيل
الله ، فسبحان الله ، يعين الله سبحانه وتعالى من ترك هواه بطاعة الله ،
كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثبته
الله ويحفظه الله في أهله وفي ماله بعده ) والمتبع لهواه بالعكس ) .
قلت : هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق بلاد
الترك ( بدل ، فهي بيان لم هو أقصى الشرق ) إلى
أقصى المغرب ( في نسخة الغرب )[ بلاد ] الأندلس
وغيرها ، ومن جزائر قبرص ( بالفتح لأنها أعجمية ، والعلمية والتأنيث
) وثغور الشام والعواصم كطرسوس ( طرسوس مدينة
على ساحل البحر كانت ثغرا من ناحية بلاد الروم قريبا من طرف الشام ) ونحوها إلى أقصى اليمن ، وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته
شيئا يسيرا يقال : أقل من عشرين درهما .
أولاد عمر بن عبد العزيز أخذوا أقل من عشرين درهما ، فتركة هذا الخليفة
الذي امتد ملكه هذا الإمتداد العظيم ، لم يأخذ أولاده من تركته إلا أقل من
عشرين درهما !! .
قال : وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم
تركته بنوه فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار ، ولقد رأيت بعضهم يتكفف
الناس ؛ أي : يسألهم بكفه .
وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان ، والمسموعة عما
قبله ؛ ما فيه عبرة لكل ذي لب .
المصدر :
كتاب السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله [ ص : 27 ] .
--