الحمد لله رب العالمين ، وأشرف الصلاة وأتم التسليم ، على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد .. فإن القرآن الكريم منبع علوم الشريعة وأهم أصولها ، وإليه يرجع المسلمون – مع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم – في معرفة أحكام الدين الاعتقادية منها والفقهية ، وفي أمور السياسة والاقتصاد والأخلاق وغير ذلك . وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليتلى ويُتدبر ويُعمل به ، كما قال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب (29) ( ] ص : 29 [ وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ) ] النساء : 82 ، محمد : 24 [ وقد رغّب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بقراءة وتدبر القرآن الكريم فقال : : ( اقرؤوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب قلباً وعى القرآن وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن ومن أحب القرآن فليبشر ) رواه الدرامي بإسناده عن عبد الله بن مسعود ، وانطلاقا من الآيات الكريمة والحديث الشريف نرى معا ما للقرآن الكريم من أهمية عظيمة في الإسلام ، ونستشعر أيضا واجبنا تجاه تلاوته ، و تدبره والعمل به ، سيرا على خطى السلف الصالح الذين حفظوا لفظه وفهموا معناه واستقاموا على العمل به ، فترسخت معانيه ومبادئه في صدورهم ،وشغلوا به أوقاتهم فأعطاهم الله من فضله وواسع رحماته ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : ( يقول الله سبحانه وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله سبحانه وتعالى عن سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه ) رواه الترمذي . ولا يخفى على من سلك سبيل القرآن حفظا وتدبرا ، ما للمعاني من أهمية في رسوخ اللفظ في الأذهان ، ففي إدراكها تكتمل الرؤى ، وينطلق المرء إلى آفاق رحيبة ينهل فيها من كتاب الله . وقد اكتنـزت كتب التفسير بأروع المعاني التي تسهّل العسير ، وتقرّب الصور ، وتبيّن المبهم ، لكن الكثير من المسلمين في هذا العصر انشغلوا عن الإلمام بمعاني القرآن الكريم رغم حاجتهم الماسة إليها ، إما لضيق الوقت أو لصعوبة تصفح المجلدات الكبيرة التي توسعت في هذا المجال ، أو لعدم توافرها في متناول الجميع . ومن خلال اطلاعي على كتب التفسير المختلفة ، وأساليب حفظ القرآن الكريم المتنوعة ، أدركت أهمية المعنى وترابط الأفكار في السور في تسهيل وتيسير الحفظ ، حيث أن الإنسان يبقى في ذهنه التصور العام للآيات مهما تمادى به الزمن وإن لم يراجعها بإذن الله تعالى ، فعكفت على جمع الموضوعات الأساسية لكل سورة على حدة مستعينة بكتب التفاسير القيّمة ، وقمت بصياغتها بشكل متسلسل مترابط على شكل نقاط متتابعة وأفكار متكاملة ، تيسيرا على المسلم الباحث عن وسيلة مبسّطة تعينه على الإلمام بجوّ السورة العام في وقت مقتضب ، وكذلك لمساعدة طلاب حلقات القرآن الكريم على تثبيت حفظهم للسور بمراجعتهم لأهم موضوعاتها ومعانيها ، مما يعينهم على رسم هيكل أساسيّ يسيرون عليه في السور الطوال ، والإلمام بالمعاني الهامة في قصار السور و سورة الفاتحة
الطريقة التي انتهجتها في الكتاب : - تحدثت في بداية كل سورة من السور عن جوها العام ، وأهم أهدافها ، بكلمات قلائل تعرّف القارئ بأهداف السورة على تنوعها من عقيدة أو تشريع أو عبادة .... إلى غير ذلك لربط الهدف الأساسي بالأفكار ، ولتهيئة القارئ ووضعه في جوّ السورة العام . - راعيت تسلسل الأفكار في السور ككل ، وتناولت كل موضوع في السورة بالتبيان الموجز لمعانيها ، مبينة المغزى والغرض من إدراج هذه الأفكار في هذا المكان المحدد من السورة . - استشهدت على كل موضوع بالآيات الكريمات التي تخصه في سور القرآن الكريم ، كل سورة على حدة ، عن طريق إدراج المقطع الأول من بداية كل آية تبتدئ الموضوع ونهاية كل آية تختتمه ، مراعية ترقيم آيات البدء والختام كي تتحدد بشكل دقيق وواضح ويسهل بعد ذلك الاطلاع عليها وحفظها . - بالنسبة للفاتحة وقصار السور ، فقد توسعت في الحديث عن موضوعاتها ،وذلك لمساعدة طلاب حلقات القرآن من المبتدئين وصغار السن لفهمها فهما دقيقا وشاملا لا يقتصر على مجرد حفظ السورة لفظا فقط ، ولكن بالجمع بين اللفظ والمعنى فتتثبت في الذهن وتتوضح معانيها. - وقد استعنت بباقة من كتب التفسير وعلوم القرآن الكريم التي تطرقت لموضوعات السور ، وعملت جاهدة ألا يختل هيكل السورة بنقصان معنى من المعاني . أرجو أن أكون بذلك قد خدمت كتاب الله ، وقدمت مرجعا نافعا ومفيدا لطلاب حلقات القرآن الكريم ، الباحثين عن مرجع مبسط ييسّر عليهم فهم المعاني وربط الأفكار ، فإن بلغت فذلك فضل من الله تعالى ، وإن قصرت فمن نفسي ، أسأل الله تعالى أن يتقبل عملي وينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
سورة الفاتحة
وتسمى أم الكتاب لأنها مفتتحه ومبدؤه وكأن منها أصله ومنشأه ، سميت بالفاتحة لأنها مفتاح القرآن الكريم ، وقد اشتملت على كل معانيه ، وتدور سورة الفاتحة حول ثلاث محاور ، وهي المحاور العامة التي يدور حولها القرآن الكريم ككل : 1) العقيدة : (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ {3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4} ) 2) العبادة : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5} ) 3) منهج الحياة : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ {7}) لنتأمل معا كيف تترابط السورة وتتناسق من معنى إلى معنى ومن مقصد إلى مقصد ، لقد افتتحت متوّجة باسم الله تعالى الإله المعبود المستحق لإفراده بالعبادة ، وانتقلت لحمده تعالى ، ( الحمد لله رب العالمين ) وهو الثناء على الله بصفات الكمال ، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه ، وهو تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لشؤون الخلق . ثم انتقلت إلى الاستدلال بأن الاستعانة إنما هي به تعالى وحده وذلك بإضافة الاسم إلى لفظ الجلالة الجامع لصفات الكمال وبوصفه تعالى أنه (الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ {3}) ، وأنه تعالى ( المالك ) الذي اتصف بصفة الملك الذي يتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات ، وأصناف الملك إلى يوم الدّين .( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4}) وبينت الآيات وحدانيته تعالى في ألوهيته وربوبيته : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5}) وفيها إثبات الحكم لله تعالى ونفيه عمّن سواه . وانتقل الكلام ببراعة في السورة إلى بيان المطمح الأعلى للإنسان وأن هذا المطمح الأعلى هو الهداية إلى الصراط المستقيم : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6}) وختمت ببيان الطريق الصحيح والصراط الواضح الموصل إلى الله وهو صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (غير ) صراط (المغضوب عليهم) وهم اليهود والنصارى : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ {7}) . فهذه السورة ، على إيجازها ، قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن الكريم .