محفوظ مدير
عدد المساهمات : 1501
| موضوع: أمثال عاقبة الهوى الخميس 03 ديسمبر 2009, 17:27 | |
| ركّب الله عز وجل فيالإنسان مجموعة من الغرائز , التي يهواها ويميل إليها بفطرته , وذلكلضرورة بقائه على هذه الأرض وعمارتها ،كميله إلى الطعام والشراب والنكاح ,وحبه للمال والتملك , وغير ذلك مما هو مركوز في الفطر , فقال سبحانه :{زينللناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضةوالخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسنالمآب } (آل عمران 14) ، وليتحقق أيضاً معنى الابتلاء والامتحان , الذي من أجله أوجد الله الإنسان في هذه الحياة قال تعالى :{إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً }(الانسان 2) , وهذا الميل الذي ركب في الإنسان هو الذي يطلق عليه الهوى ,وهو ميل النفس إلى ما تحبه وتهواه من الخير أو الشر ، فالهوى في الأصل ليسمذموماً بإطلاق , وإنما المذموم منه ما تجاوز الحد المشروع ، فإن مالتالنفس إلى ما يخالف الشرع فهو الهوى المذموم , وإن مالت إلى ما يوافقالشرع فهو الممدوح .]ولما كان الغالب علىمتبع الهوى, أنه لا يقف عند الحد الشرعي الجائز , أطلق ذم اتباع الأهواءوالشهوات في النصوص الشرعية ، وصار علامة على كل ما خالف الحق ، وللنفسفيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد ، ولذا قال ابن عباس رضي اللهعنهما : " ما ذكر الهوى في موضع من كتاب الله إلا ذمه " ]واتباع الهوى المذمومقد يكون في أمور الدين والمعتقد وهي الشبهات, وقد يكون في أمور المنهياتوالمحرمات وهي الشهوات, فهوى الشبهة يوصل صاحبه إلى البدعة والإحداث فيالدين, وهوى الشهوة يوصل صاحبه إلى المعصية والخطيئة .وقد تظافرت النصوصالشرعية والآثار عن السلف على ذم الأهواء , والتحذير من اتباعها , وضربالنبي - صلى الله عليه وسلم – في عدد من الأحاديث الأمثال , التي تبينخطورة اتباع الهوى , وعاقبة ذلك .ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتةسوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، علىأبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسودمرباداً ، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب منهواه ) .]فقد مثل النبي - صلىالله عليه وسلم- في هذا الحديث الأهواء ومواقف القلوب منها, وهو يشملأهواء الشبهات والشهوات , فشبه تتابع الفتن وتكررها على القلوب بأعوادالحصير التي ينسجها الناسج , وكلما صنع عوداً أخذ آخر ونسجه, وكذلك تعرضالفتن على القلوب واحدة بعد الأخرى , فمن القلوب من تتأثر بهذه الفتنوالأهواء وتتشربها , وكلما قبل القلب فتنة نقط فيه نقطة سوداء , ولا يزالكذلك يقبل هذه الفتن فتنة بعد أخرى , ويزداد سواده يوما بعد يوم حتى يسودبالكلية , فإذا وصل إلى هذه المرحلة صار كالكوز الذي يستعمل في شرب الماءإذا قلب ونكس خرج منه جميع الماء , ولم يثبت فيه فيه شيء , وهي إشارة إلىأن الإنسان لا يزال يستمرئ ارتكاب المعاصي واتباع الأهواء حتى ينتكس قلبهوالعياذ بالله , فلا يعلق به خير , ولا ينفع فيه نصح , ولا ترجى له توبة ,ويصبح صاحب هذا القلب أسيراً للهوى ، هو الذي يقعده ويقيمه ، ويحركهويسكنه ، فإن تكلم فبهوى , وإذا صمت فلهوى , وإذا فعل فلهوى , وإذا تركفلهوى , قد أصمه الهوى وأعماه ,فلا يعرف معروفاً , ولا ينكر منكراً إلا ماأشرب من هواه .ومن القلوب من لا تتأثربهذه الفتن والأهواء ,فتنكرها ولا تقبلها , وكلما أنكر القلب فتنة منهانقط فيه نقطة بيضاء , ولا يزال كذلك يرفض هذه الفتن , ويزداد بياضه يومابعد يوم حتى يبيض بالكلية , فإذا وصل إلى هذه الدرجة صار كالحجر الأملسالذي لا يعلق به شيء , فلا تؤثر فيه الفتن حينئذ , ولا تضره ما دامتالسماوات والأرض .كما بين الحديث أنالهوى لا بد من مجاهدته ومدافعته في أول الأمر , قبل أن يقوى الداعي إليهفي نفس العبد , فيعسر عليه أن يقاومه بعد ذلك , فصاحب القلب الأول ربماكان من الأسهل له أن يدفع الفتن في بداية أمرها , أما بعد أن يسود القلب ,ويستحكم الهوى , فلن يقاوم أي فتنة تعرض عليه إلا أن يشاء الله ، وفيالمقابل فإن صاحب القلب الثاني الذي جاهد الفتن ودافعها في أول أمرها ،ووجد في ذلك مشقة وعناء ، قد جنى ثمرة هذه المشقة والمجاهدة في النهايةحيث قوي قلبه وازداد نوره , وأصبح عنده مناعة ضد الفتن ولم يعد يجد منالعناء والمكابدة ما كان يجده في أول أمره .]ومن الأحاديث التي ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم- فيها المثل لاتباع أهواء الشبهات ما جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال : (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذهالملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهيالجماعة ، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارىالكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ) رواه أبو داود . فقد بين النبي - صلىالله عليه وسلم- في هذا الحديث افتراق الأمم الكتابية قبلنا إلى فرق كثيرة, على الرغم من إرسال الرسل إليهم , وإنزال الكتب عليهم , ومع ذلك حصلبينهم الافتراق والتنازع ، ثم بين أن هذه الأمة ستقع فيما وقع فيه أهلالكتاب من قبل , وستفترق فيما بينها الافتراق المذموم في المعتقد وأصولالدين , مشيراً إلى أن السبب في الحالتين واحد , وهو اتباع الأهواء , وعدمالاستسلام التام للنصوص الشرعية , والاحتكام للعقول القاصرة والآراءالفاسدة .وأنه لن ينجو من هذه الفرق كلها , إلا فرقة واحدة , تمسكت بما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه , قولا وعملاً واعتقاداً .]ثم شبه - صلى الله عليهوسلم - خطر أهواء الشبهات بداء الكَلَب , وهو داء يصيب الإنسان إذا عضهالكلب , فيصبح كالمجنون , وتظهر عليه مجموعة من الأعراض الخطيرة , ويمتنعالمصاب بهذا الداء من شرب الماء حتى يموت عطشا ، ومناسبة التمثيل والتشبيهأن صاحب البدعة والهوى يصعب عليه أن يتخلص منهما إلا أن يشاء الله , فإنالبدعة تخالط قلبه كما يخالط داء الكَلَب صاحبه ,حتى لا يبقى منه عرق ولامفصل إلا دخله , كما أنه يؤثر في غيره بما يلقيه من الشبه والشكوك , كمايؤثر المصاب بهذا الداء على غيره إذا عضه ، ولذلك عبر - صلى الله عليهوسلم – بقوله : ( تتجارى بهم تلك الأهواء ) ,أي أنها تنتشر بينهم بسرعة كانتشار النار في الهشيم , فيتلقفونها ,ويتأثرون بها , وهي سمة مشتركة بين أهل البدع والأهواء , نسأل اللهالعافية .ومن الأحاديث التي ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم- فيها مثلاً لاتباع أهواء الشهوات , ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه , أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : ( إنمامثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراشوهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمنفيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها ) .]وفيه يبين صلى اللهعليه وسلم خطر اتباع الشهوات, والانسياق وراء اللذات المحرمة ممثلاً حالهفي ذلك مع أمته برجل أوقد ناراً للإضاءة وطلب الدفء , فلما أضاءت ما حولهتهافت الفراش والحشرات على مصدر هذا الضوء , لجهلها وعدم تقديرها لمصالحها, وهي لا تعلم أن فيه حتفها وهلاكها , فجعل الرجل يذودها ويذبها عن النارلئلا تحرقها ، ومع ذلك تأبى إلا أن تتقحم هذه النار .واستخدم - صلى اللهعليه وسلم- لفظ الاقتحام , الذي يعبر به عن إلقاء النفس في الهلاك من غيربصر وروية ، والمقصود من المثل تشبيه أصحاب المعاصي والشهوات , الذينيندفعون وراء أهوائهم - من غير تفكير في العاقبة أو نظر في المآلات - بهذهالحشرات التي بهرها ضوء النار , فسعت إلى ما فيه هلاكها .[وتشبيه حاله -صلى اللهعليه وسم- مع أمته وما بعث به من الهداية والنور ، بالممسك بحُجَزِهِم -وهي معاقد الإزار من وسط الإنسان- لئلا يقعوا في نار جهنم المحفوفةبالشهوات، ومع ذلك يأبى كثير منهم إلا أن يغلبوا أهواءهم ، ويسعوا وراءشهواتهم ، فيتفلتون من يده , ويتقحمون هذه النار.إن هذه الأحاديثوالأمثال تبين لنا خطورة اتباع أهواء الشهوات والشبهات وعاقبة ذلك ، وهيتحث المسلم على أن يجاهد هواه ، وأن يكون متيقظا لنفسه حتى لا تقوده إلىمواطن الهلاك , فإن الفتن متلاطمة , والنفوس ضعيفة , وهي كثيرا ما تنساقوراء الأهواء من حيث تشعر أو لا تشعر {فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى } (النازعـات37-41)
| |
|